أعادت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس فتح واحدة من أكثر الملفات حساسية في المشهد القضائي، بعد إصدارها حكمًا ابتدائيًا غيابيًا يقضي بسجن الوزير الأسبق منذر الزنايدي مدة 19 عامًا مع التنفيذ الفوري. قرارٌ ثقيل في مضمونه، يتجاوز البعد القضائي الصرف ليحمل أبعادًا سياسية وأمنية واضحة، خاصة بالنظر إلى طبيعة التهم وخلفية الشخصية المعنية.
من البحث التحقيقي إلى الإدانة
انطلق هذا الملف إثر قرار صادر عن النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، التي أذنت بفتح بحث تحقيقي منذ سبتمبر 2024، بناءً على معطيات وُصفت بالخطيرة. وشملت الشبهات المنسوبة إلى الزنايدي جملة من التهم ذات الصبغة الإرهابية، من بينها تكوين تنظيم يهدف إلى تقويض أمن الدولة، والسعي إلى استقطاب أفراد للانخراط فيه، إلى جانب التخطيط لأفعال تمسّ النظام العام الداخلي. وبعد استكمال مراحل التحقيق والإحالة، حُسم الملف ابتدائيًا بحكم غيابي مع إقرار النفاذ العاجل.
دلالات الحكم الغيابي والنفاذ الفوري
قانونيًا، يعكس الحكم الغيابي عدم حضور المتهم أمام القضاء رغم استدعائه وفق الإجراءات المعمول بها، لكنه لا يقلل من قيمة القرار أو من ثقل التهم. أما التنفيذ العاجل، فيُفهم منه أن المحكمة اعتبرت الوقائع المعروضة ذات خطورة عالية، تستوجب التعامل معها بمنطق الردع وحماية الأمن القومي، وهو إجراء غالبًا ما يُعتمد في القضايا التي يُخشى فيها من تداعيات آنية أو مستقبلية.
شخصية سياسية في قلب ملف أمني
يثير هذا الحكم اهتمامًا خاصًا لكونه يخص شخصية تولّت مناصب وزارية بارزة في فترة سابقة من تاريخ البلاد. فانتقال اسم منذر الزنايدي من فضاء القرار الحكومي إلى قاعات المحاكم المختصة في الإرهاب يعكس تحوّلًا لافتًا، ويطرح تساؤلات حول مسارات بعض رموز الحكم السابق، ومدى ارتباطها بشبكات أو تحركات وُصفت لاحقًا بأنها تمسّ بأمن الدولة.
القطب القضائي لمكافحة الإرهاب: تشدد متواصل
يواصل القطب القضائي لمكافحة الإرهاب لعب دور محوري في التعاطي مع القضايا المعقّدة ذات الطابع الأمني، سواء تعلّق الأمر بخلايا متشددة أو بملفات تتقاطع فيها السياسة مع الأمن. ويرى متابعون أن هذا الحكم يندرج ضمن توجه عام يهدف إلى إرساء مناخ محاسبة صارمة، وعدم استثناء أي اسم مهما كانت صفته السابقة، في إطار مقاربة تعتبر أن الاستقرار لا يتحقق دون تطبيق القانون على الجميع.
بين متطلبات الأمن وضمانات العدالة
في المقابل، يثير هذا النوع من القضايا نقاشًا متجددًا حول التوازن المطلوب بين ضرورات حماية الدولة واحترام معايير المحاكمة العادلة. فالقضايا الإرهابية، بما تحمله من حساسية، تستوجب صرامة في التتبع، لكنها تتطلب أيضًا شفافية في الإجراءات، حتى لا تتحول الأحكام إلى مادة للجدل القانوني أو السياسي، داخليًا وخارجيًا.
أبعاد سياسية ورسائل ضمنية
يحمل الحكم الصادر رسائل متعددة، أبرزها أن المرحلة الراهنة تتجه نحو إعادة ترتيب المشهد العام على أساس المساءلة القانونية، لا الحسابات الظرفية. كما يعكس إصرار الدولة على التعامل بحزم مع كل ما يُشتبه في ارتباطه بتهديد الأمن الداخلي، في سياق إقليمي متقلب وتحديات أمنية متزايدة.
السيناريوهات القانونية الممكنة
من الناحية الإجرائية، يظل الحكم الابتدائي الغيابي قابلًا للاعتراض في صورة مثول المتهم أمام القضاء، ما قد يفتح المجال لإعادة مناقشة الملف أمام المحكمة. كما تبقى فرضية تطور الأبحاث أو ظهور معطيات جديدة قائمة، خاصة إذا ما كشفت التحقيقات عن أطراف أخرى أو امتدادات محتملة للقضية.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
قضية منذر الزنايدي تمثل محطة مفصلية في مسار التعاطي مع الملفات ذات البعد الأمني السياسي في تونس. فنجاح الدولة لا يقاس فقط بثقل الأحكام، بل بقدرتها على إقناع الرأي العام بأن العدالة تُمارس وفق قواعد واضحة، دون انتقائية أو توظيف. هذا الحكم، بما يحمله من رمزية، قد يشكّل رسالة ردع قوية، شرط أن يُستكمل ضمن مسار قضائي متماسك يحصّن القرار من أي تشكيك، ويعزز الثقة في مؤسسات الدولة.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: معطيات قضائية رسمية صادرة عن القطب القضائي لمكافحة الإرهاب وتغطيات إعلامية تونسية موثوقة