هشام المشيشي يتولى مسؤولية جديدة

أعادت الإطلالات الإعلامية الأخيرة لرئيس الحكومة التونسية الأسبق هشام المشيشي، خاصة عبر منابر إعلامية دولية على غرار صحيفة «لوموند» الفرنسية، اسمه بقوة إلى دائرة الجدل السياسي في تونس، بعد فترة طويلة من الغياب عن المشهد العلني. هذا الظهور لم يأتِ في فراغ، بل تزامن مع مرحلة دقيقة تمرّ بها البلاد، تتسم باستمرار الأزمة السياسية وتعقّد المشهد الداخلي، ما فتح الباب واسعًا أمام التأويلات والتحليلات بشأن خلفيات هذا التوقيت بالذات.

توقيت الظهور: بين الأزمة الداخلية والاهتمام الخارجي

يتفق عدد من المتابعين على أن عودة المشيشي إلى الساحة الإعلامية، عبر منصات أجنبية تحديدًا، ليست خطوة معزولة عن السياق العام. فالاهتمام الدولي بالوضع التونسي لم يتراجع، بل عرف في الأشهر الأخيرة نسقًا تصاعديًا، خاصة مع تنامي النقاش حول مستقبل الحكم ومسار 25 جويلية. في هذا الإطار، بدا ظهور المشيشي وكأنه محاولة لإعادة تقديم نفسه كصوت يملك رواية مغايرة لما يجري، موجّهة بالأساس إلى الرأي العام الخارجي والمؤسسات المؤثرة.

خطاب تشاؤمي ورسائل مباشرة

في تصريحاته، قدّم هشام المشيشي قراءة قاتمة للوضع العام في تونس، واصفًا المرحلة بأنها من الأصعب منذ سنوات، ومؤكدًا وجود تضييق متواصل على المعارضة السياسية. وذهب أبعد من ذلك حين تحدث عن ملاحقات وضغوط تطال عددًا من الفاعلين السياسيين، فيما يوجد آخرون خلف القضبان، وفق تعبيره. هذا الخطاب، وإن لم يكن جديدًا في حدّ ذاته، إلا أنه اكتسب وزنًا إضافيًا بسبب المنبر الذي اختاره المشيشي لإيصاله.

رسائل إلى الداخل والخارج

أثارت هذه التصريحات تساؤلات جوهرية حول الرسائل التي يسعى رئيس الحكومة الأسبق إلى تمريرها. داخليًا، بدا الخطاب موجّهًا إلى شريحة من الرأي العام ما تزال تنظر إلى مرحلة ما قبل 25 جويلية باعتبارها أقل توترًا، رغم ما شابها من أزمات. أما خارجيًا، فيُرجّح أن الهدف يتمثل في التأثير على صورة الوضع التونسي لدى الشركاء الدوليين، خاصة في ظل الملفات الاقتصادية والمالية الحساسة التي لا تزال مطروحة.

قراءة تحليلية للتحالفات السابقة

في هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي فريد العليبي أن عودة المشيشي إلى واجهة النقاش العام لا يمكن فصلها عن حسابات سياسية أوسع. وأوضح أن الرجل راهن خلال فترة توليه رئاسة الحكومة على تحالفه مع حركة النهضة وعدد من حلفائها داخل البرلمان، معتقدًا أن هذا الخيار سيمكنه من تثبيت موقعه في القصبة ويفتح أمامه آفاقًا سياسية مستقبلية.
غير أن هذه القراءة، وفق العليبي، لم تكن دقيقة، إذ أخطأ المشيشي في تقدير موازين القوى الحقيقية داخل الدولة، وهو ما جعله يخسر موقعه سريعًا ويجد نفسه خارج دائرة القرار، قبل أن تتعقد وضعيته لاحقًا على المستوى القضائي.

هل هناك دفع خارجي؟

يرى مراقبون أن بروز المشيشي مجددًا قد لا يكون نتيجة مبادرة شخصية فحسب، بل قد يأتي أيضًا بدفع من أطراف خارجية ترى مصلحة في إعادة تسليط الضوء على شخصيات كانت فاعلة في المشهد السياسي السابق. ووفق هذا التحليل، فإن إعادة تقديم هذه الأسماء تهدف إلى ترسيخ فكرة مفادها أن المرحلة الحالية ليست نهائية، وأن التوازنات السياسية يمكن أن تتغير في أي لحظة.

إعادة تدوير الوجوه القديمة

ضمن هذا المنطق، تُطرح فرضية مفادها أن بعض الدوائر الخارجية تسعى إلى إبقاء أسماء معينة حاضرة في النقاش العام، تحسبًا لأي تحولات محتملة في المشهد السياسي التونسي. ويشمل ذلك مسؤولين سابقين، من بينهم وزراء ورؤساء حكومات دخلوا في خلاف مباشر مع رئيس الجمهورية قيس سعيد، ويتم اليوم تقديمهم كبدائل محتملة أو كشهود على مرحلة سابقة.

الوضع القضائي وتأثيره على المشهد

يأتي هذا الحراك الإعلامي في وقت لا يزال فيه هشام المشيشي محل تتبعات قضائية داخل تونس، حيث صدرت في حقه أحكام بالسجن. هذا المعطى يضيف بعدًا معقدًا إلى عودته الإعلامية، إذ يطرح تساؤلات حول مدى قدرته الفعلية على العودة إلى الفعل السياسي المباشر، وحول ما إذا كان حضوره سيظل محصورًا في مستوى الخطاب والتصريحات.

المشهد السياسي بين الماضي والحاضر

تعكس عودة المشيشي إلى التداول الإعلامي حالة الانقسام المستمرة داخل الساحة التونسية، بين من يعتبر أن مرحلة ما بعد 25 جويلية تمثل قطيعة ضرورية مع الماضي، ومن يرى أنها أدخلت البلاد في مسار غامض. وبين هذين الموقفين، تُستعمل شخصيات المرحلة السابقة كعناصر في صراع سرديات لا يزال مفتوحًا.

تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33

من زاوية تحليلية، يبدو أن عودة هشام المشيشي إلى الواجهة الإعلامية تعبّر أقل عن مشروع سياسي متكامل، وأكثر عن محاولة لإعادة التموضع داخل معادلة متحركة. فالرهان على الخارج، عبر المنابر الدولية، يعكس محدودية هامش التأثير الداخلي في الوقت الراهن. كما أن استحضار وجوه من الماضي السياسي يطرح إشكالية حقيقية حول قدرة هذه الأسماء على تقديم بدائل جديدة، في ظل تغير عميق في موازين القوى وفي انتظارات جزء واسع من التونسيين. وعليه، تبقى هذه الإطلالات جزءًا من معركة روايات أكثر منها مؤشرًا على عودة سياسية وشيكة.


المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: تصريحات إعلامية وتحاليل سياسية تونسية

تعليقات فيسبوك
error: Content is protected !!