تعيش الساحة السياسية في تونس منذ أيام على وقع حالة ترقّب متصاعدة، غذّتها مواقف مباشرة وحادة أطلقها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، اعتبرها مراقبون مؤشرات واضحة على اقتراب مرحلة سياسية جديدة. هذه الرسائل لم تأتِ في سياق عابر، بل حملت نقدًا صريحًا لأداء عدد من المسؤولين داخل الإدارات والهياكل الجهوية، مع تحميلهم مسؤولية تعطّل مصالح المواطنين وتراكم الإخلالات.
انتقادات مباشرة لأداء الإدارة والمسؤولين
في أكثر من ظهور، عبّر رئيس الدولة عن امتعاضه من اضطراره إلى التدخل في ملفات وصفها بالبسيطة، مشيرًا إلى أنّ معالجتها تدخل ضمن المهام اليومية للمسؤولين المعنيين. واعتبر أنّ التعلّل بالإجراءات أو ضعف الإمكانيات لم يعد مقنعًا، خاصة عندما يتبيّن أنّ الحلول تصبح ممكنة فور مطالبة المسؤولين بالقيام بواجباتهم. هذا الخطاب عكس توجّهًا واضحًا نحو تحميل المسؤولية الفردية، وربط البقاء في المنصب بمدى القدرة على الإنجاز.
تبسيط المسارات… عنوان المرحلة
شدّد قيس سعيّد على أنّ الوظيفة الأساسية للمسؤول العمومي تتمثل في تسهيل حياة المواطن، لا في تعقيدها عبر مسارات إدارية مرهقة تستهلك الوقت والمال العام. وأعاد التأكيد على أنّ “تونس فقط” يجب أن تكون العنوان الوحيد لكل من يتحمّل مسؤولية داخل الدولة، محذّرًا من أنّ الشباب التونسي بلغ مرحلة وعي حاسمة ولن يخطئ في تحديد المسؤوليات والعناوين.
تحوير حكومي يلوح في الأفق
هذه الرسائل، وفق عديد المتابعين، لا يمكن فصلها عن الحديث المتزايد داخل الأوساط السياسية والإعلامية حول تحوير حكومي محتمل. فالرئيس لم يُخفِ عدم رضاه عن النسق العام لعمل المرافق العمومية، واعتبر أنّ جزءًا من القائمين عليها لم يستوعب بعد منطق المرحلة الجديدة، القائمة على القطع مع التعطيل والمصالح الضيقة. هذا السياق يعزّز فرضية اللجوء إلى تعديل تركيبة الحكومة كخيار لمعالجة الاختلالات.
قراءة سياسية في مؤشرات التغيير
المحلل السياسي سرحان الشيخاوي رأى أنّ المعطيات المتوفّرة توحي بقرب إجراء تحوير وزاري، مستندًا إلى الرسائل الرئاسية الأخيرة وما رافقها من نقاشات حول ميزانية الدولة لسنة 2026. وأوضح أنّ جلسات البرلمان كشفت تفاوتًا لافتًا في أداء الوزراء، حيث قدّم بعضهم تصوّرات واضحة ودافعوا عن برامجهم بجدية، في حين اكتفى آخرون، وهم الأغلبية بحسب تقديره، بإعادة طرح مقترحات قريبة جدًا من ميزانية 2025 دون إضافات نوعية.
البرلمان يعكس تباين الأداء الحكومي
النقاشات البرلمانية حول الميزانية تحوّلت إلى مرآة عاكسة لأداء الفريق الحكومي، إذ وجّه النواب انتقادات حادة إلى وزراء التجهيز، والشباب والرياضة، والتربية، سواء من حيث بطء الإنجاز أو غموض الخيارات أو ضعف تقدّم المشاريع. في المقابل، كانت الملاحظات أقل حدّة تجاه وزيرة العدل، بينما لم تواجه وزارات مثل الصحة والدفاع والداخلية المستوى نفسه من الانتقادات، ما يعكس اختلافًا في تقييم العمل والنتائج داخل الحكومة.
بين الضغط الشعبي وانتظارات المرحلة
الشارع التونسي يراقب هذه التطورات باهتمام متزايد، خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد. وتزداد القناعة لدى جزء واسع من الرأي العام بأنّ بقاء الوضع على حاله لم يعد ممكنًا، وأنّ أي تأخير في اتخاذ قرارات حاسمة قد يزيد من منسوب الاحتقان. في هذا السياق، يُنظر إلى التحوير الحكومي المحتمل كإشارة سياسية تهدف إلى استعادة الثقة وتحسين الأداء.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
تؤشر الرسائل الرئاسية الأخيرة إلى مرحلة مراجعة شاملة داخل دواليب الدولة، حيث لم يعد الخطاب يكتفي بالتشخيص بل انتقل إلى تحميل المسؤوليات بشكل مباشر. التحوير الحكومي، إن حصل، لن يكون مجرد تغيير أسماء، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة السلطة التنفيذية على ترجمة الخطاب إلى أفعال. نجاح هذا المسار يظل مرتبطًا بمدى وضوح المعايير المعتمدة في الاختيار والمحاسبة، وبالقدرة على إحداث قطيعة فعلية مع منطق الإدارة الثقيلة، بما يستجيب لانتظارات الشارع ويخفف من الضغوط المتراكمة.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: متابعة تحليلية
