في حديث اتسم بالصدق والعمق، اختارت الممثلة التونسية جميلة الشيحي أن تخرج عن القوالب الجاهزة، مقدّمة رؤية ناضجة لقضايا اجتماعية لطالما أُحيطت بالأحكام المسبقة، وعلى رأسها الزواج، الطلاق، والأمومة، إضافة إلى علاقتها بالوحدة كخيار إنساني لا كوصمة اجتماعية. حديث لا يبحث عن التعاطف، ولا يبرّر، بل يضع التجربة في سياقها الطبيعي كمسار حياة مليء بالتعلّم والمراجعة.
فلسفة الحياة بين الممكن والمعلّق
تؤمن جميلة الشيحي بأن الحياة لا تُدار بمنطق الحسم المطلق، بل بالتوازن بين الواقعي والمأمول. فهي، وفق ما عبّرت عنه، لا تتعامل مع القرارات المصيرية بنظرة نهائية مغلقة، بل تترك مساحة للزمن والتجربة. وتصف نفسها بالمتفائلة التي تستشير الخير في اختياراتها، معتبرة أن المستقبل لا ينفد من الفرص، حتى وإن بدت بعض الطرق مسدودة مؤقتًا.
هذا التصور جعلها تتعامل مع فكرة الزواج بوعي مختلف، بعيدًا عن ضغط العمر أو انتظارات المجتمع، وهو ما شكّل جوهر مواقفها اللاحقة.
الزواج الثالث… احتمال لا هوس
وحول إمكانية خوض تجربة زواج جديدة، لم تُخفِ جميلة الشيحي أنها لا ترفض الفكرة من حيث المبدأ، لكنها لا تضعها ضمن قائمة الأهداف الوجودية. فالزواج بالنسبة لها ليس تتويجًا اجتماعيًا ولا ضرورة نفسية، بل علاقة يجب أن تنبع من انسجام داخلي حقيقي.
في المقابل، كشفت أن المسرح والكتابة لعبا دورًا محوريًا في مسارها العاطفي والنفسي، إذ شكّلا فضاءً علاجيًا ساعدها على تفكيك الألم، والتصالح مع الذات، وتحويل الجراح إلى طاقة إبداعية. بالنسبة لها، الفن ليس مهنة فقط، بل أداة فهم عميقة للنفس البشرية.
الأمومة في صدارة الأولويات
توقفت جميلة الشيحي مطولًا عند علاقتها بابنتها، معتبرة أن الأمومة ليست دورًا عابرًا بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية دائمة. وأكدت أن رضا ابنتها وسعادتها يشكلان البوصلة الأساسية لكل قراراتها، سواء المهنية أو الشخصية.
وترى أن الزواج، مهما كانت رمزيته الاجتماعية، لا يجب أن يتقدّم على الاستقرار النفسي للطفل، ولا أن يُستعمل كغطاء لإرضاء المحيط. فالعائلة، في نظرها، تُبنى على الحضور الصادق لا على الصيغ الشكلية.
الطلاق… نهاية علاقة لا فشل إنسان
كشفت جميلة الشيحي أنها انفصلت منذ سنة 2018، مشيرة إلى أن المرحلة الأولى بعد الطلاق اتسمت بالتسرّع والرغبة في تعويض الفراغ، قبل أن تعيد النظر في ذلك المسار. ومع مرور الوقت، اختارت التوقف، والمراجعة، وفهم ما عاشته بعيدًا عن الهروب إلى علاقة جديدة.
ورفضت بشكل قاطع تصنيف تجربتها كـ”فشل”، معتبرة أن الطلاق نتيجة لمسؤولية مشتركة، وليس حكمًا بالإدانة على طرف واحد. فالعلاقات، حسب رأيها، تُبنى بجهدين، وتنتهي أيضًا بتشابك عوامل معقدة لا يمكن اختزالها في شخص واحد أو قرار واحد.
شريك حياة لا صورة مثالية
في حديثها عن العلاقة العاطفية المنشودة، أوضحت جميلة أنها لا تبحث عن “الرجل المثالي”، بل عن شريك إنساني: شخص يسمع، يفهم، ويحترم. شخص يدرك أن المرأة ليست دائمًا قوية، وأنها تمرّ بلحظات ضعف تحتاج فيها إلى الاحتواء لا إلى الأحكام.
هذا التصور يضع العلاقة في بعدها الإنساني الحقيقي، بعيدًا عن الصور النمطية التي تروّج للكمال الوهمي، وتغفل عن الاحتياجات النفسية العميقة للطرفين.
الوحدة… مساحة هدوء أم قسوة مفروضة؟
ترى جميلة الشيحي أن الوحدة في حد ذاتها ليست مخيفة، بل قد تكون خيارًا مريحًا في مراحل معينة من العمر، حين تكون نابعة من قرار شخصي. لكنها تتحول إلى عبء نفسي حين تُفرض على الإنسان دون اختيار.
وتلفت إلى أن المجتمع غالبًا ما ينظر بريبة إلى الشخص الذي يعيش وحيدًا، سواء كان امرأة أو رجلًا، وهو ما يعكس خوفًا جماعيًا من فكرة الغياب وعدم الشعور بالاهتمام.
واعترفت بأن هذه الأفكار قد تتحول أحيانًا إلى هواجس، لكنها تستند في تجاوزها إلى إيمانها بالله، وإلى قناعة راسخة بأن الغربة الحقيقية ليست في العيش وحدك، بل في أن تكون محاطًا بالناس دون أن تشعر بالأمان.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
حديث جميلة الشيحي يقدّم نموذجًا نادرًا في المشهد الثقافي التونسي، حيث تختار شخصية عامة مقاربة قضايا حساسة بمنطق إنساني لا استعراضي. ما يلفت في خطابها ليس فقط محتواه، بل نبرة الهدوء والمصالحة مع الذات، في زمن يفرض على النساء، خصوصًا، تبرير اختياراتهن الشخصية باستمرار. هذه المقاربة تعكس تحوّلًا تدريجيًا في الوعي الاجتماعي، وتفتح نقاشًا أعمق حول معنى النجاح، الاستقرار، والأسرة خارج القوالب التقليدية.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: تصريح إعلامي
