أثار ما ورد في مشروع قانون المالية لسنة 2026 بخصوص الزيادات في الأجور والجرايات جدلًا واسعًا في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية، خاصة بعد تأكيد المبدأ دون الخوض في التفاصيل. وفي هذا السياق، قدّم الخبير في الضمان الاجتماعي الهادي دحمان قراءة تحليلية توضح خلفيات هذا الإعلان وحدوده الفعلية، وسط تضارب كبير في الأرقام المتداولة.
إعلان عام دون معطيات دقيقة
بحسب دحمان، تضمّن مشروع قانون المالية إعلانًا صريحًا عن إقرار زيادات تمتد على سنوات 2026 و2027 و2028، غير أنّ هذا الإعلان لم يُدعّم بأي بيانات رسمية حول قيمة الزيادة أو نسبتها أو المعايير التي ستُعتمد لتحديدها. هذا الفراغ المعلوماتي فتح المجال أمام اجتهادات وتأويلات مختلفة، انتشرت على نطاق واسع دون سند قانوني أو حكومي واضح.
من أين جاءت الأرقام المتداولة؟
يوضح الخبير أن الاختلاف في التقديرات يعود أساسًا إلى رصد اعتماد مالي يناهز ألف مليار موجّه لتمويل هذه الزيادات. هذا الرقم دفع بعض المختصين إلى محاولة احتساب نسب تقريبية، خلص أغلبها إلى أن الزيادة المحتملة قد تتراوح بين 3.9% و4%، لا 7% كما روّج له البعض. وهو ما انعكس على تقديرات مالية تراوحت بين أربعين وستين دينارًا، دون أي طابع رسمي.
لا أرقام رسمية إلى حدّ الآن
شدّد دحمان على أنّه، إلى حدود اللحظة، لم يصدر أي رقم رسمي عن الجهات الحكومية، معتبرًا أن كل ما يتم تداوله لا يتجاوز كونه قراءات تقنية وتأويلات ظرفية. وأكّد أن التفاصيل الدقيقة ستُضبط لاحقًا عبر أوامر ترتيبية مشتركة بين وزير المالية ووزير الشؤون الاجتماعية، ما يعني أن المبدأ مُقرّ، لكن آليات التنفيذ وقيمته الفعلية ما تزال مؤجلة.
زيادات خارج المسار الاجتماعي التقليدي
النقطة اللافتة في هذه الزيادات، وفق التحليل، أنها تأتي خارج إطار المفاوضات الاجتماعية المعتادة مع المنظمات النقابية. فالتوجه الحالي يقوم على توزيع الزيادات وفق الإمكانيات المالية للدولة، لا وفق مؤشرات التضخم أو النمو الاقتصادي كما جرت العادة في الجولات التفاوضية السابقة، وهو ما يطرح تساؤلات حول عدالتها ونجاعتها.
التضخم… الإشكال الأكبر
الإشكال الجوهري، حسب القراءة الأولية، يتمثل في أن أي زيادة تقل عن نسبة التضخم المقدّرة بنحو 5.8% لن تُحدث تحسنًا حقيقيًا في القدرة الشرائية. فالمواطن قد يتلقى مبلغًا إضافيًا اسميًا، لكن دون انعكاس فعلي على مستوى عيشه. وفي هذا السياق، عبّر عدد من النواب عن رفضهم لأي زيادة دون مستوى التضخم، مقابل تمسك الحكومة بسقف إمكانياتها المالية.
تحليل خاص من فريق تحرير تونس 33
من زاوية تحليلية، تكشف هذه المعطيات عن توجه جديد في إدارة الملف الاجتماعي، قوامه ضبط النفقات أكثر من الاستجابة الكاملة للمطالب الاجتماعية. ورغم أن إقرار الزيادات يُعدّ إشارة إيجابية، إلا أن غياب الوضوح قد يُضعف أثرها ويزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي. الرهان الحقيقي يبقى في تحقيق توازن دقيق بين الاستقرار المالي للدولة وحماية القدرة الشرائية للمواطن، وهو ما ستكشفه الأوامر الترتيبية المنتظرة خلال المرحلة القادمة.
الخلاصة
الزيادات في الأجور والجرايات مؤكدة من حيث المبدأ ضمن قانون المالية 2026، لكن قيمتها ونسبها والفئات المعنية بها لم تُحسم بعد. وكل الأرقام المتداولة حاليًا تبقى مجرد تقديرات تقنية في انتظار القرارات الرسمية النهائية عقب المصادقة على الميزانية.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: تصريحات الخبير في الضمان الاجتماعي
