قرار سيادي جديد من قيس سعيّد يطال جميع النواب

أعادت النائبة فاطمة المسدي فتح ملف الجدل الدستوري المحيط بمشروع قانون المالية، بعد إحالته رسميًا من مجلس نواب الشعب إلى رئيس الجمهورية قصد المصادقة. هذا التطور لم يمرّ مرور الكرام، خاصة في ظل مناخ سياسي مشحون وتباين واضح في القراءات القانونية بين مختلف الهياكل التشريعية، ما جعل المشروع محل تساؤلات عميقة حول سلامة مساره واحترامه لأحكام الدستور.

خلافات تشريعية تطفو على السطح

ترى المسدي أن إحالة المشروع تمت في ظرف حساس، يتسم بوجود تباينات حقيقية بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، لا سيما بخصوص عدد من الفصول التي أثارت جدلًا واسعًا داخل أروقة البرلمان. هذه الخلافات، وفق تقديرها، لم تكن تقنية فحسب، بل مسّت جوهر توزيع الاختصاصات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما يُعدّ مسألة دستورية بالدرجة الأولى.

فصول خارج الإطار التشريعي

من أبرز النقاط التي أثارتها النائبة، إدراج أحكام تتعلق بالانتدابات العمومية وتسوية وضعيات وظيفية معيّنة ضمن نص قانون المالية. وتؤكد المسدي أن هذا التوجه يُعدّ تجاوزًا لصلاحيات البرلمان، باعتبار أن مثل هذه المسائل تدخل، وفق الدستور والقانون الأساسي لقوانين المالية، ضمن الاختصاص الترتيبي للحكومة لا المجال التشريعي. وترى أن تمرير هذه الفصول يفتح الباب أمام خلط خطير بين الأدوار، ويكرّس سابقة قد تُستعمل لاحقًا لتوسيع نطاق القوانين المالية خارج أهدافها الأصلية.

اعتراف حكومي يثير علامات استفهام

اللافت في هذا الجدل، حسب المسدي، هو إقرار وزيرة المالية نفسها بوجود فصول لا تتماشى مع الدستور ولا مع القانون الأساسي المنظم لقوانين المالية. هذا التصريح العلني، وفق قراءتها، لا يمكن اعتباره مجرد ملاحظة تقنية، بل يحمل وزنًا سياسيًا وقانونيًا كبيرًا، لأنه يعكس خللًا محتملًا في صياغة النص وفي المسار الذي اعتمد لإعداده. وهو ما يفرض، بحسبها، ضرورة التوقف عند المشروع ومراجعته بعمق قبل دخوله حيز التطبيق.

رئيس الجمهورية في موقع الحَكَم

في ظل غياب المحكمة الدستورية، تعتبر المسدي أن رئيس الجمهورية يجد نفسه اليوم في موقع محوري، باعتباره الجهة الوحيدة المخوّل لها دستوريًا السهر على احترام علوية الدستور. هذا الوضع الاستثنائي يمنحه، وفق تعبيرها، مسؤولية مباشرة في تقييم سلامة مشروع قانون المالية، ومنع تمرير أي أحكام قد تشكل خرقًا للنص الدستوري أو تفتح الباب أمام تضارب القوانين داخل المنظومة التشريعية.

خيار الردّ… مسار دستوري محتمل

بناء على ما سبق، تشير النائبة إلى أن خيار رفض ختم مشروع قانون المالية وإعادته إلى البرلمان لقراءة ثانية يظل احتمالًا قائمًا وبقوة. بل وتعتبره المسار الدستوري الأكثر انسجامًا مع متطلبات المرحلة، لأنه يسمح بتصحيح الإخلالات المثارة، ويعيد النقاش إلى مربعه القانوني السليم، بعيدًا عن منطق فرض الأمر الواقع. كما ترى أن هذه الخطوة، إن حصلت، ستكرّس مبدأ الرقابة الدستورية المسبقة في غياب المحكمة المختصة.

تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33

من زاوية تحليلية، يكشف هذا الجدل عن إشكال أعمق يرافق التجربة التشريعية الحالية في تونس، يتمثل في هشاشة التوازن بين السلط في غياب المحكمة الدستورية. فمشروع قانون المالية، الذي يُفترض أن يكون أداة مالية بحتة، تحوّل إلى ساحة صراع دستوري وسياسي، ما يعكس ارتباكًا في تحديد الاختصاصات. كما أن تحميل رئيس الجمهورية دور الحَكَم الدستوري يعمّق من مركزية القرار، لكنه في المقابل يطرح تساؤلات حول استدامة هذا الحل الظرفي. وفي المحصلة، فإن أي قرار يُتخذ بخصوص المشروع لن يكون ماليًا فقط، بل سيحمل دلالات سياسية ودستورية ستؤثر على شكل العلاقة بين السلط خلال المرحلة القادمة.

الخلاصة

الجدل الذي أثارته فاطمة المسدي يعكس مخاوف حقيقية تتعلق بسلامة المسار الدستوري لمشروع قانون المالية. وبين اعتراف حكومي بوجود فصول إشكالية، وغياب هيئة دستورية مختصة، يبقى قرار رئيس الجمهورية حاسمًا في تحديد مآل النص، إما بالمصادقة أو بإعادته إلى البرلمان لتدارك ما اعتبره البعض خروقات دستورية محتملة.

المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: تصريحات النائبة فاطمة المسدي

تعليقات فيسبوك
error: Content is protected !!