تشير آخر المعطيات الصادرة عن المختصين في الشأن المناخي إلى دخول البلاد مرحلة جوية مختلفة خلال الأيام القادمة، عنوانها الأبرز عودة الأمطار بعد فترة من الاستقرار النسبي. فبين التفاؤل الحذر الذي عبّر عنه مهندسو الرصد الجوي، والقراءة العلمية المعمّقة التي قدّمها باحثون في المناخ، تتجه الأنظار إلى ما قد تحمله هذه الاضطرابات من انعكاسات إيجابية ومخاطر محتملة في الآن نفسه.
أمطار منتظرة… غيث بطيء لكنه واعد
أكّد المهندس بالمعهد الوطني للرصد الجوي محرز الغنوشي أن التقديرات المناخية الأخيرة تفيد باقتراب سلسلة من الأمطار التي ستشمل عددا واسعا من مناطق البلاد. وأوضح أن هذه التساقطات لن تكون فجئية، بل ستصل تدريجيا وعلى مراحل متقطعة، في مشهد وصفه بـ«الغيث النافع» الذي يُنتظر أن يحمل مؤشرات إيجابية، رغم بطء وصوله مقارنة بتطلعات الفلاحين والمواطنين. وأضاف الغنوشي في تدوينة له أن الآمال معلّقة على أن تكون هذه الأمطار رحمة للبلاد وتساهم في تحسين المخزون المائي ودعم الموسم الفلاحي.
قراءة علمية أعمق: منخفضان صحراويان في الأفق
في المقابل، قدّم الأستاذ المبرز في الجغرافيا والباحث في علم المناخ عامر بحبة تحليلا أكثر تفصيلا لما ينتظر تونس خلال الفترة القريبة القادمة. وأكد أن البلاد تقف على مشارف اضطرابات جوية نشطة سببها مرور منخفضين صحراويين متتاليين، سيتركان تأثيرات واسعة النطاق على أغلب الولايات. وبيّن أن الاستقرار الجوي الذي طبع الأيام الماضية، مع درجات حرارة في حدود المعدلات العادية وغياب موجات البرد، لن يدوم طويلا، إذ ستبدأ ملامح التغير بالظهور تدريجيا انطلاقا من مساء الجمعة وصباح السبت.
البداية من السواحل: أمطار خفيفة ثم تصاعد تدريجي
وفق المعطيات المتوفرة، من المنتظر أن تشمل أولى الأمطار السواحل الشرقية، ولايات الساحل، المهدية ونابل، بكميات تتراوح بين 1 و10 مليمترات، وقد تبلغ محليا حوالي 15 مليمترا. هذه المرحلة الأولى تمثل، حسب المختصين، مقدمة لتحول أوسع في الوضع الجوي، حيث ستتجه الاضطرابات نحو الداخل والجنوب خلال الساعات الموالية.
المنخفض الأول: تأثير يمتد ليوم ونصف
يتوقع أن يبدأ تأثير المنخفض الصحراوي الأول مساء 15 ديسمبر، ويتواصل إلى غاية يوم 16 من الشهر نفسه. وسيدخل هذا المنخفض تدريجيا من الجنوب الغربي، ليشمل ولايات توزر وقفصة وقبلي وتطاوين، قبل أن يمتد لاحقا إلى القصرين وقابس وصفاقس والساحل والقيروان وصولا إلى الشمال الشرقي. وتشير التقديرات إلى أن الأمطار خلال هذه المرحلة ستكون عامة، تتراوح بين المتوسطة والغزيرة في بعض المناطق، مع فترة تأثير قد تدوم بين يوم ويوم ونصف.
المنخفض الثاني: الذروة المنتظرة
المنخفض الثاني، المنتظر انطلاق تأثيره ليلة 17 ديسمبر وبلوغ ذروته يوم 18، يُعدّ الأهم من حيث الشدة واتساع الرقعة الجغرافية. ويتوقع المختصون أن تشمل التساقطات أغلب الولايات، مع تسجيل كميات غزيرة محليا، خاصة في الوسط والجنوب الشرقي. وتفيد التقديرات الأولية بأن مجموع الأمطار خلال الفترة الممتدة بين 15 و20 ديسمبر قد يتجاوز 100 مليمتر في بعض الجهات، وهو رقم يُعدّ لافتا منذ بداية الموسم المطري الحالي.
فترة مطرية استثنائية مقارنة ببداية الموسم
يرجّح الباحثون أن تتواصل التقلبات الجوية بشكل متقطع على امتداد عدة أيام، ما يجعل هذه الفترة واحدة من أبرز الفترات المطرية منذ انطلاق الموسم. ويُنتظر أن يكون لهذه الأمطار تأثير مباشر على السدود والمائدة المائية، إضافة إلى انعكاساتها الإيجابية المحتملة على القطاع الفلاحي، في حال توزعت الكميات بشكل متوازن ودون تسجيل أضرار.
دروس من الماضي: بين الحذر وعدم التهويل
ذكّر عامر بحبة بأن المنخفضات الصحراوية كانت تاريخيا وراء بعض من أكبر الفيضانات التي شهدتها تونس، على غرار سنوات 1969 و1973 و1990. غير أنه شدد في المقابل على أن المعطيات الحالية لا تشير إلى مخاطر استثنائية أو سيناريوهات كارثية مماثلة، مؤكدا أهمية المتابعة اليومية للنشرات الرسمية تحسبا لأي تطور غير متوقع قد يفرض إجراءات وقائية إضافية.
ضباب كثيف وتحذيرات مرورية
بالتوازي مع هذه الاضطرابات، يُتوقع تواصل تشكّل الضباب الكثيف خلال ساعات الليل والصباح الباكر في عدد من المناطق، مع انخفاض ملحوظ في مدى الرؤية الأفقية قد يصل أحيانا إلى أقل من خمسين مترا، خاصة قرب الغابات والسدود والمناطق الساحلية. ودعا المختصون مستعملي الطريق إلى التحلي بأقصى درجات الحذر والالتزام بقواعد السلامة المرورية، تفاديا للحوادث في فترات تتطلب يقظة مضاعفة.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
تكشف هذه المؤشرات المناخية عن مرحلة دقيقة تجمع بين الأمل في موسم مطري أفضل والحاجة إلى اليقظة الميدانية. فالأمطار المرتقبة تمثل فرصة حقيقية لدعم المخزون المائي وتحسين الظروف الفلاحية، لكنها في الوقت ذاته تفرض استعدادا لوجستيا ووقائيا من السلط المحلية والمواطنين على حد سواء. وتجربة السنوات الماضية أظهرت أن حسن إدارة مثل هذه الفترات كفيل بتحويل الاضطرابات الجوية من مصدر قلق إلى عنصر دعم للاقتصاد والبيئة، شرط الالتزام بالمتابعة الدقيقة والتواصل المستمر مع الهياكل الرسمية.
الخلاصة
تتجه تونس خلال الأيام المقبلة نحو فترة جوية نشطة قد تكون من أبرز محطات الموسم المطري الحالي. وبين أمطار متدرجة ومنخفضات صحراوية مؤثرة، يبقى الرهان الأساسي هو الاستفادة من هذه التساقطات مع الحد من مخاطرها، عبر الحذر والمتابعة المستمرة للتقارير الرسمية.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: تصريحات المعهد الوطني للرصد الجوي وباحثين في علم المناخ
