تتصاعد حدة الاحتقان الاجتماعي في تونس مع إعلان الجامعة العامة للصناعات الغذائية والسياحة والتجارة والصناعات التقليدية المضيّ رسميًا في تنفيذ الإضراب العام القطاعي يوم غدٍ الأربعاء 10 ديسمبر 2025، وذلك بعد فشل الجلسة الصلحية الأخيرة وانسداد مسار التفاوض مع منظمة الأعراف وسلطة الإشراف. هذا الإضراب، الذي تمّ تثبيته بشكل نهائي بعد بلاغ عاجل، سيشمل آلاف العاملين في قطاعات حسّاسة، ما ينذر بتوقف شبه كلي لعدد من الخدمات الحيوية خلال 24 ساعة من التحركات الاحتجاجية المتوقعة.
تفاصيل الإضراب: انطلاق التحركات من منتصف الليل
أكدت الجامعة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل أن الإضراب سيدخل فعليًا حيز التنفيذ عند منتصف الليلة الفاصلة بين الثلاثاء والأربعاء، ليستمر إلى غاية منتصف ليل الأربعاء. وبذلك يشهد يوم كامل تعطّلًا واسعًا في النزل السياحية، مؤسسات الصناعات الغذائية، المساحات التجارية الكبرى، وحدات التحويل والصناعات التقليدية. ويأتي ذلك في فترة حساسة تعرف ضغطًا متواصلًا على سلاسل التزويد، ما قد يجعل تأثير الإضراب سريعًا وملموسًا لدى المستهلكين.
القطاعات المعنية بالإضراب وتأثيراتها المباشرة
يشمل الإضراب أربعة قطاعات رئيسية تُعدّ من ركائز الاستهلاك والخدمات الأساسية في تونس:
• وحدات الصناعات الغذائية والتحويلية: المصبرات، مشتقات الحليب، المشروبات، مصانع التعليب.
• قطاع السياحة والفندقة: النزل، المطاعم السياحية، مؤسسات الإيواء.
• قطاع التجارة والجملة والتوزيع: المساحات الكبرى، مخازن التوزيع، نقاط البيع المركزية.
• قطاع الصناعات التقليدية والحرفية.
ويشكّل توقف نشاط هذه القطاعات ضربة قوية للسوق، نظرًا لاعتمادها المباشر على الإنتاج اليومي وسرعة دوران السلع، خصوصًا المواد الغذائية الأساسية.
اتهامات متبادلة وتصعيد غير مسبوق في اللهجة النقابية
في بيان شديد اللهجة، حمّلت الجامعة المهنية مسؤولية التصعيد إلى ما وصفته بـ”تعنّت الغرف المهنية وغياب الجدية”. وأضافت أن المنظمة النقابية اضطرت إلى خيار الإضراب بعد سلسلة محاولات متتالية لفتح مفاوضات جدية تُفضي إلى زيادات في الأجور وتحسين بيئة العمل.
وجاء في نص البيان:
“نحمل الغرف المهنية المسؤولية كاملة في دفع القطاع إلى هذا المربع.. لم نلمس أي رغبة جدية في إنهاء الأزمة، مما جعل الإضراب خيارنا الوحيد للدفاع عن حقوق منظورينا.”
هذا الخطاب يعكس حجم التوتر بين الطرفين في ظل صعوبات اقتصادية حادة، حيث يطالب العمال بتحسين قدرتهم الشرائية، بينما يعتبر أصحاب المؤسسات أن الظرف الاقتصادي غير مناسب لأي زيادات جديدة.
فشل الوساطة الحكومية وتأكيد موعد الإضراب
ورغم جلسات متتالية أشرفت عليها وزارة الشؤون الاجتماعية بهدف تقريب وجهات النظر، فإن اللقاءات الماراثونية لم تُفضِ إلى أي اتفاق. تمسك كل طرف بموقفه جعل الحكومة عاجزة عن احتواء الخلاف، بعد أن حاولت تجنّب اضطرابات تمسّ المواد الأساسية والتزويد اليومي للأسواق. ومع انتهاء آخر جلسة دون تقدم، أصبح موعد الإضراب نهائيًا وغير قابل للتراجع.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
من خلال تتبع مسار الخلاف خلال الأشهر الأخيرة، يتضح أن السبب الرئيسي في التصعيد هو عمق الهوة بين المفاوضين. ففي الوقت الذي يطالب فيه العمال بزيادات عاجلة لتحسين قدرتهم الشرائية في ظل تدهور حاد للأسعار، تتمسك منظمة الأعراف من جهتها بالوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المؤسسات، معتبرة أن أي زيادات إضافية قد تدفع العديد منها نحو الإغلاق.
المعطيات التي حصل عليها فريق تحرير تونس 33 تفيد بأن الإضراب لم يكن خيارًا أوليًا لدى الجامعة القطاعية، بل جاء بعد فشل مسار تفاوض انطلق منذ أشهر. وتشير مصادر نقابية إلى أن بعض الغرف المهنية رفضت مقترحات الوساطة الحكومية، وهو ما دفع النقابة إلى التشبث بالتحرك الاحتجاجي.
كما أن هذا الإضراب يُعدّ من أوسع الإضرابات القطاعية خلال السنوات الأخيرة، خاصة أنه يجمع بين قطاعات متداخلة تؤثر بشكل مباشر على المستهلك: الغذاء، التوزيع، والفندقة. ومن المتوقع أن تكون تداعياته ملموسة منذ الساعات الأولى، سواء على مستوى الإنتاج أو تزويد الأسواق بالمواد الحساسة.
ويتوقع بعض المراقبين أن تكون هذه الخطوة بداية موجة تحركات اجتماعية أخرى في قطاعات مختلفة، ما لم يتم فتح مسار تفاوض جديد يراعي الوضع الاجتماعي المتأزم للعمال، وفي الوقت نفسه يأخذ بعين الاعتبار هشاشة المؤسسات الاقتصادية. وتبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الإضراب سيكون مقدمة لجولة تصعيدية جديدة، أم نقطة ضغط تُعيد المفاوضات إلى الطاولة.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: موقع الاتحاد العام التونسي للشغل











