هل تصدّق؟ زيت الزيتون يُفاجئ التونسيين بسعر لم يُسجّل منذ سنوات..
موسم جني الزيتون يسجّل بداية واعدة مع أسعار مُرضية للمستهلك
يشهد قطاع زيت الزيتون في تونس خلال الفترة الحالية حالة من التوتر غير المسبوق، مع انطلاق موسم الجني وسط تباين كبير بين تطلعات الفلاحين وقدرة المستهلك على تحمّل الأسعار. فبينما ينتظر الفلاح موسما يضمن له تغطية الكلفة وتحقيق حد أدنى من الربح، يعيش المستهلك على وقع ارتفاع متواصل في أسعار الزيوت، رغم أنّ الزيتون يُعدّ أحد أبرز المنتجات الفلاحية في تونس وأوسعها انتشارًا على امتداد الجمهورية.
تونس التي تُعتبر من أكبر منتجي زيت الزيتون في العالم، تواجه اليوم معادلة معقّدة: كلفة إنتاج متصاعدة، سعر بيع غير مستقر، واقتصاد عائلي مهدّد بالانكماش، الأمر الذي يعيد طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل هذا القطاع ومدى قدرة المنظومة الحالية على الصمود أمام التغيرات الاقتصادية والهيكلية.
سعر الزيت بين تراجع قيمة الزيتون وارتفاع تكاليف الإنتاج
محمد بن عمر شلاغو، رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بصفاقس، قدّم قراءة دقيقة للوضعية الراهنة، مؤكدًا أن أسعار الزيتون تشهد هذه الفترة انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بالكلفة الحقيقية للإنتاج. فالفلاح، وفق قوله، أصبح يجد نفسه مضطرًا للبيع بأسعار لا تغطي حتى المصاريف الأساسية، وهو ما يعمّق حالة الإحباط ويقلّل فرص استدامة نشاطه في السنوات القادمة.
وحسب المعطيات المتداولة في السوق، فإن سعر اللتر الواحد من زيت الزيتون الجديد يتراوح بين 12 و13 دينار، وهو رقم يراه المهنيون غير كافٍ لتغطية كلفة الجني والتحويل والخزن. ففي ظل ارتفاع أسعار اليد العاملة والمواد الأولية وغلاء الخدمات، تراجعت قدرة الفلاح على تحقيق هامش ربح يساعده على الاستمرار.
تكلفة الجني… الحلقة الأخطر في السلسلة الإنتاجية
الأزمة الأكبر، حسب شلاغو، تتمثل في الارتفاع غير المسبوق في أجور اليد العاملة، حيث وصلت أجرة العامل إلى 50 دينارًا في اليوم، مقابل تقديرات قديمة لم تتجاوز بضعة مليمات للكيلوغرام الواحد. اليوم، بلغت كلفة جني الكلغ الواحد دينارًا كاملاً في بعض المناطق، في حين أن سعر البيع في عدد من الولايات لا يتجاوز 1.4 دينار، أي أنّ الفلاح يعمل في أفضل الحالات بهامش ربح شبه معدوم، وفي أسوئها بخسارة مالية صريحة.
هذا الارتفاع في كلفة اليد العاملة دفع العديد من الفلاحين إلى تقليص حجم المساحات التي يتم جنيها أو تأجيل جزء من الإنتاج، ما يهدّد جودة الزيت وقدرته على المنافسة سواء محليًا أو في التصدير.
تداعيات اقتصادية واجتماعية تضرب صغار الفلاحين
عديد الفلاحين ينتظرون أكثر من خمس سنوات حتى تصل أشجار الزيتون إلى مرحلة الإنتاج الجيد، لكن النتيجة النهائية للموسم الحالي، وفق شلاغو، لا تمنحهم الحد الأدنى من التوازن المالي. وعدد منهم مهدد فعليًا بالخروج من القطاع، كما حدث سابقًا في قطاعي الحليب واللحوم الحمراء، حين اضطر صغار المنتجين إلى ترك النشاط بسبب الكلفة المرتفعة مقابل ضعف المردودية.
ويشير عدد من الخبراء إلى أنّ استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تقلّص المساحات المزروعة زيتونًا، وفقدان مناطق بأكملها لطابعها الفلاحي، وهو ما يمثّل خسارة استراتيجية للبلاد باعتبار أن زيت الزيتون أحد أهم موارد التصدير وأبرز مكوّن للهوية الغذائية التونسية.
سياسات حكومية مترددة… وقرارات دون تنفيذ فعلي
اجتماع وزارة الفلاحة الأخير لم يقدّم، بحسب المهنيين، حلولًا عملية واضحة، بل اقتصرت الإجراءات على عناوين فضفاضة دون آليات تنفيذ دقيقة. وحتى القروض الاستثنائية لم تكن موجّهة بالشكل الذي يتماشى مع حاجيات الفلاح الصغير الذي يعمل بموارد محدودة ويحتاج دعمًا مباشرًا وسريعًا لتجاوز الأزمة.
المهنيون يؤكدون أن بطء تنفيذ الإجراءات يفاقم الأزمة، خاصة في ظل فقدان السيولة لدى عديد العائلات الريفية التي تعتمد على موسم الزيتون كمورد رزق أساسي.
حلول استعجالية لإنقاذ الموسم قبل فوات الأوان
شلاغو شدّد في ختام مداخلته على ضرورة التحرك العاجل قبل خسارة الموسم نهائيًا، مقترحًا ثلاثة محاور إنقاذ أساسية:
تحديد أسعار مرجعية واضحة تضمن الحد الأدنى من الكلفة وتُبعد السوق عن المضاربات.
تفعيل القرارات الحكومية فورًا بدل تركها معلقة دون أثر.
تقديم دعم مباشر لصغار الفلاحين حتى لا يخرجوا من المنظومة الإنتاجية.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
الوضع الذي يعيشه قطاع الزيتون اليوم ليس طارئًا، بل هو نتيجة تراكمات امتدت لسنوات، تتمثل أساسًا في ضعف هيكلة السوق، غياب إصلاحات جذرية، وتذبذب السياسات الحكومية بين المواسم الجيدة والسيئة. ويبدو أن القطاع يحتاج إلى إعادة بناء كاملة، تعتمد على مقاربة اقتصادية جديدة تضمن التوازن بين الفلاح والمستهلك، وتضع حدًا للتقلبات غير المبررة للأسعار.
كما أنّ تونس مطالبة اليوم بتطوير منظومة الجني والتحويل، والاستثمار في المعدات الحديثة لتقليل الاعتماد على اليد العاملة المكلفة. ولعلّ تعزيز التجميع المنظّم للفلاحين في تعاونيات قد يكون أحد المفاتيح الأساسية لضمان أسعار أقل وكلفة إنتاج أقل.
المشهد الحالي يرسل رسالة واضحة: القطاع يقترب من منطقة الخطر، والحلول الظرفية لن تكون كافية. المطلوب رؤية استراتيجية تحفظ استمرارية الإنتاج وتدعم مكانة زيت الزيتون التونسي عالميًا، وتضمن في الوقت نفسه أسعارًا عادلة للمستهلك التونسي الذي أنهكته موجات الغلاء.
📌 المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33
المرجع: موقع موزاييك أف أم











