عاجل : شكاية رسمية تضع وزيرة العدل ليلى جفال وأطرافًا أخرى أمام التحقيق..
شكاية رسمية تضع وزيرة العدل ليلى جفال وأطرافًا أخرى أمام التحقيق
تشهد الساحة القضائية والسياسية في تونس تطورًا لافتًا بعد تقديم شكاية جزائية ضد وزيرة العدل ليلى جفال، وهي خطوة غير مسبوقة أعادت إلى الواجهة الجدل حول وضعية المعتقلين السياسيين وحدود المسؤوليات داخل المنظومة القضائية، في سياق وطني يتّسم بتصاعد التوتر بين السلطة التنفيذية وعدد من الفاعلين الحقوقيين والسياسيين.
وتأتي هذه الشكاية لتضع وزيرة العدل رسميًا ضمن مسار قضائي من المنتظر أن يخضع للتحقيق، في ملفّ بالغ الحساسية، نظرًا لتقاطع أبعاده القانونية مع رهانات سياسية وحقوقية كبرى، ما يجعله محلّ متابعة دقيقة من الرأي العام المحلي والمنظمات الحقوقية.
تفاصيل الشكاية: أطراف متعددة وملف مثير للجدل
وبحسب المعطيات المتوفرة، فقد شملت الشكاية الجزائية وزيرة العدل ليلى جفال إلى جانب ثلاثة قضاة من دائرة الاتهام، على خلفية تعاطيهم مع ملف قضائي أثار في الآونة الأخيرة نقاشًا واسعًا داخل الأوساط الحقوقية والسياسية.
ويرتكز مضمون الشكاية على اتهامات تتعلّق بما وُصف بالاحتجاز القسري للمعتقلين السياسيين، وهو توصيف يحمل دلالات قانونية ثقيلة، باعتباره يشير إلى تجاوز محتمل للإجراءات القانونية والضمانات التي ينص عليها القانون التونسي والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
ولا تستهدف هذه الخطوة أشخاصًا بعينهم فقط، بل تفتح الباب أمام مساءلة أوسع لكيفية إدارة بعض الملفات القضائية ذات الطابع السياسي، وما إذا كانت الإجراءات المتخذة تحترم مبدأ استقلال القضاء وضمانات المحاكمة العادلة.
مقدّمو الشكاية: رمزية سياسية وقانونية
تمّ تقديم الشكاية من قبل القاضي السابق أحمد الصواب، بالتنسيق مع محمد عبو، مؤسس حزب التيار الديمقراطي ووزير الدولة الأسبق المكلف بالوظيفة العمومية ومكافحة الفساد.
وتكمن خصوصية هذا المعطى في أن أحمد الصواب موقوف حاليًا بالسجن، في حين أن محمد عبو في حالة سراح، وهو ما أضفى على القضية بعدًا رمزيًا إضافيًا، خاصة أن الطرفين يُعرفان بمواقفهما المنتقدة لمسار السلطة القضائية خلال السنوات الأخيرة.
ويعتبر متابعون أن هذه الشكاية تحمل رسالة سياسية وقانونية في الآن ذاته، مفادها أن الجدل حول استقلال القضاء لم يعد محصورًا في التصريحات الإعلامية أو البيانات الحزبية، بل انتقل إلى ساحة التقاضي نفسها.
المسار القانوني المحتمل: بين التحقيق والمسؤولية
من الناحية القانونية، فإن تقديم شكاية جزائية يعني بالضرورة فتح مسار تحقيق من قبل الجهات المختصة، بهدف التثبت من الوقائع المذكورة، وسماع مختلف الأطراف، وتحديد ما إذا كانت الأفعال المضمنة ترتقي إلى مستوى التجريم وفق النصوص القانونية المعمول بها.
ويؤكد مختصون في الشأن القانوني أن مجرد تقديم الشكاية لا يعني الإدانة، بل يكرّس مبدأ قرينة البراءة، ويضع الملف ضمن المسار الإجرائي الطبيعي، بعيدًا عن الأحكام المسبقة أو التوظيف السياسي.
غير أن حساسية الملف تكمن في كونه يمسّ رأس الهرم القضائي التنفيذي، ما يطرح تساؤلات حول كيفية إدارة التحقيق، ومدى توفر الشروط الكفيلة بضمان الحياد والاستقلالية.
تفاعلات سياسية وحقوقية: انقسام واضح في المواقف
وقد تفاعل عدد من الفاعلين السياسيين مع هذا التطور، من بينهم الوزير الأسبق غازي الشواشي، الذي اعتبر في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك أن القضية تطرح أسئلة جوهرية حول احترام الحقوق والإجراءات القانونية، خاصة في الملفات ذات الخلفية السياسية.
في المقابل، يرى أنصار السلطة أن القضاء يقوم بدوره في إطار القانون، وأن الحديث عن احتجاز قسري أو تجاوزات يظلّ ادعاءً يحتاج إلى إثبات قضائي، محذرين من محاولات الضغط على المؤسسات القضائية عبر الرأي العام.
هذا الانقسام يعكس حالة الاستقطاب التي تعيشها البلاد، حيث أصبح القضاء في قلب النقاش السياسي، بين من يعتبره أداة لتصفية الخصوم، ومن يراه مؤسسة تحاول فرض هيبة القانون في ظروف استثنائية.
ملف المعتقلين السياسيين يعود إلى الواجهة
يأتي هذا التطور في سياق عام يتسم بتصاعد الجدل حول الاعتقالات والملاحقات ذات الطابع السياسي، وهو ملف ظلّ حاضرًا بقوة في تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية، وفي مواقف عدد من الأحزاب والشخصيات الوطنية.
وتتابع الأوساط الحقوقية هذا الملف باهتمام بالغ، خاصة في ظل تساؤلات متزايدة حول مدة الإيقاف، وظروف الاحتجاز، وسير الإجراءات القضائية، ومدى توافقها مع الدستور والالتزامات الدولية لتونس.
ويرى مراقبون أن هذه الشكاية قد تمثل نقطة تحوّل، سواء عبر فتح نقاش قانوني معمّق حول المسؤوليات، أو عبر تكريس واقع جديد تبقى فيه الملفات السياسية محلّ تجاذب طويل الأمد.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
من زاوية تحليلية، تعكس هذه الشكاية حالة احتقان عميق داخل المشهد القضائي والسياسي، حيث لم يعد الخلاف مقتصرًا على الاختيارات السياسية، بل امتدّ إلى تفسير القانون ذاته وحدود تطبيقه.
القضية تضع القضاء أمام اختبار حقيقي: إما تأكيد استقلاليته عبر مسار تحقيق شفاف ومتوازن، أو تعميق الشكوك القائمة حول تداخل السياسة بالقضاء. كما أنها تطرح على السلطة التنفيذية تحدي إدارة هذا الملف دون تأزيم إضافي، في وقت تعاني فيه البلاد من ضغوط داخلية وخارجية متزايدة.
وبغضّ النظر عن مآلات الشكاية، فإن تداعياتها السياسية والحقوقية ستكون حاضرة بقوة في المرحلة المقبلة.
خاتمة: الأنظار تتجه نحو القضاء
في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات، تبقى الأنظار موجهة إلى القضاء باعتباره الجهة المخوّلة قانونًا لكشف الحقيقة والفصل في ما أثير من اتهامات، في ملف بات يطرح أسئلة عميقة حول العدالة والمسؤولية واحترام القانون في تونس.
وسيكون لمسار هذا الملف دور محوري في تحديد ملامح المرحلة القادمة، سواء على مستوى الثقة في المؤسسات أو في طبيعة العلاقة بين السلطة والمعارضة.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: متابعة الشأن القضائي والسياسي في تونس











