عاجل : حكم نهائي في ملف وليد جلاّد صادر عن محكمة الاستئناف..
محكمة الاستئناف تحسم ملف وليد جلاّد وتصدر قرارها
أعاد الحكم الصادر عن الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي لدى محكمة الاستئناف بتونس، والقاضي بإدانة النائب السابق بالبرلمان المنحل والرئيس الأسبق لفريق مستقبل سليمان وليد الجلاد، فتح النقاش مجددًا حول مسار مكافحة الفساد في تونس، وحدود المحاسبة القضائية في الملفات التي تجمع بين المال والسياسة والرياضة.
الحكم الاستئنافي الذي انتهى إلى التقليص في العقوبة السجنية من ست سنوات إلى أربع سنوات، لم يمرّ مرور الكرام، بل أثار تساؤلات متعددة تتعلق بطبيعة التهم، وسياق القضية، ورسائل القضاء للرأي العام، خاصة في مرحلة دقيقة تعيشها البلاد على مستوى الثقة في المؤسسات.
خلفية القضية: من التحقيق إلى الإدانة
تعود جذور هذه القضية إلى فيفري 2023، عندما قرر قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق وليد الجلاد، على خلفية شبهات جدية تتعلق بجرائم غسيل الأموال والخيانة الموصوفة.
وهي تهم تُصنّف ضمن الجرائم المالية الخطيرة التي تمسّ الاقتصاد الوطني وتؤثر مباشرة في مناخ الثقة والاستثمار.
التحقيقات التي باشرها القطب القضائي الاقتصادي والمالي شملت مسارات مالية معقدة، وتقاطعات بين نشاط سياسي سابق، وإدارة رياضية، ومعاملات مالية اعتُبرت محل شبهة. وهو ما دفع النيابة العمومية إلى الإصرار على تتبع الملف قضائيًا إلى نهايته.
الحكم الابتدائي: رسالة صارمة ضد الفساد
في مرحلته الأولى، أصدرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس حكمًا يقضي بسجن وليد الجلاد ست سنوات، مع تسليط خطايا مالية.
وقد اعتُبر هذا الحكم آنذاك رسالة واضحة مفادها أن القضاء التونسي ماضٍ في تفكيك شبكات الفساد، مهما كانت صفة المتورطين أو مواقعهم السابقة داخل الدولة أو محيطها.
الحكم الابتدائي عكس توجّهًا قضائيًا صارمًا، انسجم مع الخطاب العام الداعي إلى القطع مع الإفلات من العقاب، خاصة في ملفات ارتبطت بأسماء معروفة في المشهد السياسي والرياضي.
الاستئناف وتقليص العقوبة: قراءة قانونية
لجأ وليد الجلاد إلى حقه القانوني في الطعن في الحكم الابتدائي، لتُعرض القضية مجددًا على أنظار محكمة الاستئناف.
وبعد دراسة الملف والاستماع إلى مرافعات الدفاع، قررت الدائرة الجنائية الاستئنافية النزول بالعقوبة البدنية إلى أربع سنوات سجنًا، مع الإبقاء على الإدانة من حيث الأصل.
من الناحية القانونية، لا يعني هذا القرار تراجعًا عن مبدأ المحاسبة، بل يُترجم صلاحيات محكمة الاستئناف في إعادة تقدير العقوبة وفق معايير متعددة، من بينها ظروف القضية، وسوابق المتهم، ومدى ثبوت الأفعال المنسوبة إليه.
بين الردع وضمانات المحاكمة العادلة
يطرح هذا الحكم الاستئنافي إشكالية التوازن بين تشديد العقاب كآلية ردع من جهة، واحترام ضمانات التقاضي العادل من جهة أخرى.
فالقضاء مطالب، في آن واحد، بتأكيد عدم التسامح مع الفساد، وفي الوقت نفسه ضمان حقوق الدفاع وعدم تحويل الأحكام إلى أدوات انتقام أو تصفية حسابات.
ويرى مختصون في الشأن القضائي أن تقليص العقوبة لا يلغي رمزية الإدانة، بل يؤكد أن المسار القضائي ما يزال خاضعًا للضوابط القانونية، بعيدًا عن الضغط الإعلامي أو الشعبي.
المال والسياسة والرياضة: تقاطع حساس
تكشف قضية وليد الجلاد، مرة أخرى، عن هشاشة الحدود الفاصلة بين العمل السياسي، والتسيير الرياضي، والمعاملات المالية خلال فترات سابقة.
فعدد من القضايا المعروضة على القضاء خلال السنوات الأخيرة بيّنت كيف تحولت بعض الجمعيات الرياضية إلى فضاءات لتبييض الأموال أو توظيف النفوذ، مستفيدة من ضعف الرقابة وتراكم المصالح.
هذا التقاطع المعقّد جعل من ملفات الفساد المالي قضايا ذات أبعاد تتجاوز الجانب القضائي البحت، لتطال الثقة في المؤسسات وفي قواعد التسيير الشفاف.
الرأي العام وسؤال الثقة في العدالة
لا يمكن فصل التفاعل مع هذا الحكم عن المزاج العام في الشارع التونسي، حيث ما يزال ملف الفساد أحد أبرز مصادر الغضب والإحباط.
فجزء من الرأي العام يرى أن العقوبات، حتى وإن صدرت، لا ترقى دائمًا إلى حجم الضرر الذي لحق بالدولة، بينما يرى آخرون أن الأهم هو كسر منطق الحصانة غير المعلنة التي تمتعت بها بعض الشخصيات في السابق.
في هذا السياق، تظل الأحكام القضائية، مثل قضية الجلاد، محط تدقيق ومقارنة بملفات أخرى، ما يفرض على القضاء مزيدًا من الوضوح والتواصل.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
تعكس قضية وليد الجلاد مسارًا معقدًا تمر به تونس في سعيها إلى إرساء عدالة مالية حقيقية. فالإدانة، حتى مع تخفيف العقوبة، تؤكد أن مرحلة “الخطوط الحمراء” بدأت تتآكل، وأن القضاء بات أكثر جرأة في التعاطي مع ملفات كانت تُصنّف سابقًا ضمن المحرّمات.
غير أن استعادة ثقة التونسيين لن تتحقق فقط عبر الأحكام، بل تتطلب استمرارية، وتناسقًا في المعايير، وتسريعًا في الفصل في القضايا الكبرى، حتى لا يتحول طول الإجراءات إلى شكل آخر من أشكال الإفلات غير المباشر من المحاسبة.
📌 المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33 – المرجع: ما أورده موقع الصريح أون لاين بخصوص الحكم الاستئنافي في قضية وليد الجلاد











