الرئيسية

كم ستكون الزيادة؟ خبير اقتصادي يوضح نسب الأجور في تونس

ما يزال ملف الزيادات في الأجور بالقطاعين العام والخاص يتصدر واجهة النقاش الاقتصادي والاجتماعي في تونس، خاصة بعد التنصيص عليه ضمن الفصل 15 من مشروع قانون المالية لسنة 2026، والذي أقر مبدئيا زيادات تمتد على ثلاث سنوات متتالية: 2026 و2027 و2028. ورغم هذا الإقرار، فإن الغموض لا يزال يلف نسب هذه الزيادات وتوقيت صرفها، ما فتح الباب أمام تأويلات متعددة وتساؤلات واسعة لدى الموظفين والمتقاعدين على حد سواء.

ما الذي أقره قانون المالية فعليا؟

بحسب ما أوضحه الخبير في الضمان الاجتماعي الهادي دحمان، فإن قانون المالية لسنة 2026 لم يحدد نسبا رقمية واضحة للزيادات، بل اكتفى بإقرار المبدأ العام للترفيع في الأجور وجرايات التقاعد خلال السنوات الثلاث المذكورة. ويعني ذلك أن النص القانوني منح الإطار العام دون الدخول في التفاصيل التطبيقية، وهو ما يفسر حالة الالتباس التي رافقت هذا الملف.
ويؤكد دحمان أن هذا الأسلوب ليس جديدا في التشريع المالي التونسي، حيث يتم في كثير من الأحيان ضبط المبادئ الكبرى داخل قانون المالية، على أن تترك التفاصيل الفنية للأوامر الترتيبية اللاحقة.

أمر مشترك يحدد النسب والتوقيت

النقطة المفصلية في هذا الملف، وفق الخبير ذاته، تتمثل في أن الزيادات المنتظرة لا تصبح نافذة إلا بمقتضى أمر حكومي مشترك يصدر عن وزارتي الشؤون الاجتماعية والمالية. هذا الأمر هو الذي يحدد بشكل دقيق نسب الزيادة، الفئات المعنية، وتاريخ بداية الصرف، وذلك في حدود الاعتمادات المرصودة ضمن ميزانية الدولة.
ويشدد دحمان على أن غياب هذا الأمر إلى حد الآن يعني عمليا أنه لا توجد أي أرقام رسمية يمكن اعتمادها، وكل ما يتم تداوله يبقى في خانة التحليل أو التكهن، لا أكثر.

أرقام متداولة… ولكن دون سند رسمي

خلال الأسابيع الأخيرة، راجت أرقام مختلفة حول نسب محتملة للزيادة، تراوحت في أغلبها حول 4 بالمائة. غير أن الخبير في الضمان الاجتماعي نفى وجود أي مؤشر رسمي يؤكد هذه النسبة، موضحا أن هذه القراءة استندت فقط إلى حجم الاعتمادات المرصودة في الميزانية، والتي قُدرت بنحو مليار دينار مخصصة للزيادات في الأجور.
ويضيف أن الربط الآلي بين قيمة الاعتمادات ونسبة الزيادة يبقى غير دقيق، لأن توزيع هذه الكلفة يخضع لعدة عوامل، من بينها عدد المنتفعين، طبيعة الزيادات (أفقية أو تفاضلية)، ومدى شمولها لجرايات التقاعد إلى جانب الأجور.

القطاع العام والخاص: مساران مختلفان

رغم الحديث عن زيادات تشمل القطاعين العام والخاص، فإن آليات التطبيق تختلف جذريا بينهما. ففي القطاع العام، تبقى الدولة الطرف الأساسي في التفاوض والتنفيذ، وتخضع الزيادات لإمكانيات الميزانية وللتوازنات الكبرى للمالية العمومية. أما في القطاع الخاص، فإن الترفيع في الأجور يرتبط أساسا بالمفاوضات الاجتماعية والاتفاقيات القطاعية، وهو ما يجعل نسب الزيادة متفاوتة من قطاع إلى آخر.
هذا التباين يعمق الإحساس بعدم الوضوح لدى الأجراء، خاصة في ظل غياب رزنامة دقيقة توضح متى وكيف ستُفعل هذه الزيادات.

جرايات التقاعد في قلب النقاش

لا يقتصر مبدأ الزيادة على الأجور فقط، بل يشمل أيضا جرايات التقاعد، وهو ما يمنح الملف بعدا اجتماعيا أوسع. فالمتقاعدون، الذين يعانون منذ سنوات من تراجع قدرتهم الشرائية، يترقبون بدورهم تفعيل هذا المبدأ، خاصة في ظل الارتفاع المتواصل في الأسعار.
غير أن الإشكال ذاته يطرح نفسه هنا أيضا، إذ أن نسب الزيادة في الجرايات ستخضع بدورها للأمر الحكومي المشترك، ولن تكون بالضرورة مطابقة لنسب الزيادة في الأجور.

بين الانتظارات الاجتماعية والقدرة المالية للدولة

يعكس هذا الملف التوتر القائم بين الانتظارات المشروعة للموظفين والمتقاعدين من جهة، والقدرة المحدودة للدولة على الاستجابة السريعة من جهة أخرى. فالوضع الاقتصادي العام، وضغوط التوازنات المالية، تجعل الحكومة حذرة في الإعلان عن نسب واضحة قبل استكمال كل المعطيات الفنية.
ويرى متابعون أن هذا التريث، وإن كان مفهوما من زاوية مالية، إلا أنه يساهم في خلق مناخ من الشك ويفتح المجال للإشاعات، ما يستدعي تواصلا رسميا أكثر وضوحا.

تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33

من خلال قراءة معمقة للفصل 15 من مشروع قانون المالية 2026، يتضح أن الحكومة اختارت سياسة “التدرج المؤجل”، أي إقرار المبدأ اليوم وتأجيل التفاصيل إلى الغد. هذه المقاربة قد تمنح هامش مناورة للسلطة التنفيذية، لكنها في المقابل تضع الشارع الاجتماعي في حالة انتظار مفتوحة.
الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في نسبة الزيادة، بل في قدرتها الفعلية على تحسين القدرة الشرائية، خاصة إذا تواصل نسق التضخم الحالي. لذلك، فإن إصدار الأوامر الترتيبية في آجال واضحة، مرفوقة بشرح دقيق للرأي العام، سيكون عاملا حاسما في تهدئة المخاوف واستعادة الثقة.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: وزارة المالية التونسية

تعليقات فيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock