إقتصاد

بالفيديو/ بأمر من قيس سعيّد: حملة أمنية واسعة في كامل تراب تونس وإيقافات بالجملة..

تحت ضغط ارتفاع الأسعار وتنامي قلق المواطنين، باشرت وزارة الداخلية، بتعليمات رئاسية مباشرة، سلسلة عمليات ميدانية استهدفت شبكات الاحتكار والتلاعب بأسواق الخضر والغلال والمواد الأساسية. التحرك الأمني الذي شمل أسواق الجملة ومحلات التوزيع في عدة ولايات لم يكن مجرّد حملة رمزية، بل تجلّى في توقيفات وتحريات قضائية طاولت وسطاء ووكلاء بيع معروفين محليًا باسم «الهبّاطة»، مع تحرير محاضر وإحالات أولية للجهات القضائية المختصة.

لماذا الآن؟ قراءة في دوافع القرار

الأسباب ليست فقط اقتصادية بحتة؛ فارتفاع الأسعار أصبح مسألة يومية تؤثر مباشرة على ميزانية الأسر، وفي هذا المناخ يصبح أي شائبة متعلقة بسلاسل التزويد أو توزيع السلع مسألة حساسة سياسياً. التعليمات الرئاسية جاءت في ظل خشية من استفحال ظاهرة المضاربة بالموسم المدرسي وبداية الموسم الفلاحي، حيث يمكن أن ينعكس أي خلل تنظيمي أو سلوكي على القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المجتمع. القرار يحمل أيضاً بعدًا سياسيًا — رسالة بأن الدولة ستتصدى لأي سلوك يهدد الأمن الاجتماعي.

ماذا فعلت الوحدات الأمنية؟ إجراءات عملية ومحددة

التدخّلات الميدانية لم تقتصر على الحضور والرقابة الشكلية؛ إذ شملت مراقبة مسارات التوريد من أسواق الجملة، فحص قوائم الموردين، مراقبة المخازن، واستدعاء وسماع عدد من الوسطاء. كما تمّ مصادرة كميات كبيرة من المواد التي شابها الشبهة، ووضعها رهن مصالح التجارة لاستكمال الإجراءات الإدارية والقضائية. التعاون مع النيابة العمومية كان واضحًا: إذ إذنت الأخيرة لفرق عدلية جهوية بالاحتفاظ بعدة أشخاص رُبط اسمهم بشبكات «الهبّاطة» والتحقيق معهم في شبهات الاحتكار والتلاعب بالأسعار.

أثر ملموس أم إجراء مؤقت؟ تداعيات اقتصادية وقانونية

من الناحية الاقتصادية، الحملات قد تؤدّي إلى خفض مؤقت في الأسعار أو ضبط مسارات توزيعٍ أعيد تنظيمها، لكن فاعليتها الدائمة مرتبطة بمتابعة مؤسساتية: تحسين آليات الرقابة، شفافية أكبر في مسالك التسعير، وتعاون مستمر بين وزارتي الداخلية والتجارة وبنك الطعام والجهات الجهوية. قانونيًا، فتح الباب أمام متابعات جزائية قد يردع بعض المتورطين، لكن إن تطلب الأمر ضربًا هيكليًا للمضاربة فثمة حاجة إلى إصلاحات في القانون التجاري وتنظيم الوسطاء.

الرسالة الاجتماعية: حماية المواطن أم عقاب تجاري؟

الشارع يقرأ هذه الحملات كمحاولة حكومية لحماية جيوب المواطنين، خصوصًا الفئات الهشة التي تراكمت عليها أعباء الغذاء والسكن والصحة. في المقابل، يتوجّه انتقاد من طرف تجّار أصغر الحجم الذين يشعرون بأن الإجراءات قد تطالهم دون تمييز بين ممارسات محتكرة ومنشـآت تعمل ضمن هامش ربح ضيق. لذلك يكمن التحدّي في تحقيق توازن يضمن حماية المستهلك دون إخراج السوق من ديناميكيته الطبيعية.

ماذا يتطلّب الأمر في المدى المتوسط؟ توصيات عملية

  1. إرساء شفافية المسالك: لوائح إمداد ومخازن مُحدَّثة وإلزامية لبيانات الموردين.
  2. آليات رقابة منتظمة: فرق مشتركة دائمة بين التجارة والداخلية للمتابعة وليس للتدخل العرضي فقط.
  3. حماية الفلاحين: ضمان عدالة في أسعار الشراء من المصدر كي لا يتحول الانتقال إلى سوق مظطرب.
  4. إجراءات ردعية متدرجة: فرض غرامات إدارية قبل التحويل إلى المتابعة الجزائية لمنح فرصة للالتزام، مع تشديد عقوبات على المتكرّرين.
  5. حوار اجتماعي: فتح قنوات تواصل مع غرف التجارة وممثلي الفلاحة لتفادي ردود أفعال قد تؤدي إلى تعطيل التزويد.

خاتمة: خطوة ضرورية لكنها ليست كافية

التحرّكات الأمنية التي نُفّذت تظهر جدية الدولة في التصدي للمضاربة، لكنها تمثل بداية طريق طويل نحو ضبط الأسواق بشكل مستدام. إذا أُرفق هذا المناهج الأمني بإصلاحات تنظيمية واقتصادية تشمل الشفافية ودعم الإنتاج المحلي، فسيكون بالإمكان تحويل التدخّل إلى رادع فعلي يحمي القدرة الشرائية للمواطنين ويعيد الثقة في آليات التوزيع. وإلا فستبقى الحملات حلقات مؤقتة في مواجهة مشكلة تتطلب حلولًا بنيوية.

📌 المصدر: وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)

تعليقات فيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock