توضيح رسمي: من يتمتع بالإعفاء الجبائي ومن لا يحق له؟
من يشملهم الإعفاء الجبائي؟ شرح مبسّط للفئات والاستثناءات
في ظل سعي الدولة إلى تحريك عجلة الاستثمار وخلق ديناميكية اقتصادية جديدة، أعاد قانون المالية لسنة 2024 تسليط الضوء على ملف الامتيازات الجبائية باعتباره أحد أهم أدوات التحفيز المتاحة لدفع المبادرة الخاصة وتشجيع بعث المشاريع. وفي هذا السياق، قدّم حسام بونني، نائب رئيس مجمع المحاسبين بالبلاد التونسية، جملة من التوضيحات التي كشفت تفاصيل هذه الامتيازات وشروط الانتفاع بها، في وقت تتزايد فيه تساؤلات الباعثين حول الإطار القانوني والضريبي للاستثمار.
ويأتي هذا التمشي في مرحلة دقيقة تمر بها تونس، حيث تواجه تحديات اقتصادية مركبة، من ارتفاع نسب البطالة إلى محدودية الموارد العمومية، ما يجعل من الاستثمار الخاص رافعة أساسية لتحقيق النمو واستدامة التنمية.
الإعفاء الجبائي: من يشمله الإجراء؟
حسب التوضيحات المقدّمة، فإن الإعفاء الجبائي يشمل كل من قام بالتصريح بالاستثمار قبل 31 ديسمبر 2025، سواء تعلق الأمر بأشخاص طبيعيين أو شركات، مع التمتع بـ إعفاء كامل لمدة أربع سنوات من ضريبة الدخل أو الضريبة على الشركات، انطلاقًا من تاريخ دخول المشروع طور النشاط.
ويمثل هذا الإجراء فرصة حقيقية للباعثين الجدد، إذ يخفف العبء الجبائي في السنوات الأولى التي تُعدّ عادة الأصعب من حيث التكاليف وضعف المداخيل، ويمنح هامشًا ماليًا أوسع لإعادة استثمار الأرباح وتثبيت المشروع في السوق.
شروط واضحة لضمان الجدية والاستدامة
لم يأتِ هذا الإعفاء دون ضوابط، إذ اشترط المشرّع جملة من المعايير لضمان جدية المشاريع المنتفعة. ويُعدّ مسك محاسبة قانونية ومنتظمة شرطًا أساسيًا، بما يضمن الشفافية المالية واحترام القوانين الجبائية والمحاسبية.
كما يُلزم القانون الباعثين بـ الدخول الفعلي في طور الإنتاج في أجل لا يتجاوز سنتين من تاريخ التصريح بالاستثمار، وهو ما يعكس توجّه الدولة نحو القطع مع المشاريع الصورية أو تلك التي تُصرّح دون نية حقيقية للانطلاق، بهدف الاستفادة فقط من الامتيازات.
هذا الشرط الزمني يهدف أيضًا إلى تسريع الدورة الاقتصادية، وتحويل الامتيازات الجبائية من مجرد حوافز نظرية إلى أدوات فعلية لدفع الإنتاج والتشغيل.
مسار التصريح: رقمنة وتبسيط للإجراءات
في خطوة تعكس توجهًا واضحًا نحو تبسيط المسالك الإدارية، أوضح حسام بونني أن التصريح بالاستثمار يتم حسب طبيعة النشاط. فبالنسبة إلى شركات الخدمات والمؤسسات الصناعية، يتم التوجّه إلى وكالة النهوض بالصناعة والتجديد، التي باتت توفر إمكانية التصريح عن بعد.
وتُعدّ هذه النقطة من أبرز مكاسب المنظومة الجديدة، حيث يمكن للباعث الحصول على الموافقة في ظرف زمني يتراوح بين 24 و48 ساعة فقط، وهو ما يمثل تحوّلًا نوعيًا مقارنة بالسنوات السابقة التي كانت تشهد بطئًا إجرائيًا ونزاعات إدارية عطلت عديد المشاريع.
وتراهن الدولة من خلال هذا التبسيط على استعادة ثقة المستثمرين، خصوصًا الشباب، في قدرة الإدارة على مواكبة متطلبات السوق والسرعة التي يفرضها الاستثمار الحديث.
قطاعات مستثناة: توجيه ذكي للدعم
رغم أهمية الامتيازات، فقد تم استثناء عدد من القطاعات من هذا الإجراء، وعلى رأسها الأنشطة التجارية التقليدية، وقطاع المناجم والطاقة (باستثناء الطاقات المتجددة)، إلى جانب مشغلي شبكات الاتصالات، والباعثين العقاريين، والأنشطة القائمة على الاستهلاك على عين المكان.
ولا يُفهم هذا الاستثناء كإقصاء، بل كخيار استراتيجي يهدف إلى توجيه الموارد الجبائية نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والقادرة على خلق مواطن شغل مستدامة، ونقل التكنولوجيا، ودعم التصدير.
كما ينسجم هذا التمشي مع توجه الدولة نحو الانتقال الطاقي، من خلال الإبقاء على مشاريع الطاقات المتجددة ضمن القطاعات المؤهلة للانتفاع بالإعفاء.
انعكاسات مباشرة على مناخ الاستثمار
من الناحية الاقتصادية، تمثل هذه الامتيازات الجبائية رسالة طمأنة واضحة للمستثمرين، مفادها أن الدولة مستعدة لتقاسم جزء من المخاطر في المراحل الأولى للمشاريع. كما أنها تعزز القدرة التنافسية للمؤسسات الناشئة مقارنة بالمؤسسات القائمة التي تتحمل أعباء ضريبية كاملة.
ويرى خبراء أن نجاح هذه السياسة يبقى مرتبطًا بمدى وضوح النصوص التطبيقية، وسرعة تفاعل الإدارة مع الملفات، إضافة إلى قدرة الهياكل المعنية على المرافقة الفعلية للباعثين، لا الاكتفاء بالدور الإجرائي.
تحليل أو تعليق خاص من فريق تحرير تونس 33
من خلال قراءة معمقة لقانون المالية 2024، يتضح أن الدولة اختارت رهان التحفيز بدل الضغط الجبائي، وهو خيار يحمل في طياته أبعادًا اقتصادية واجتماعية مهمة. فالإعفاءات الجبائية لا تعني فقط تقليص موارد الدولة على المدى القصير، بل تمثل استثمارًا غير مباشر في النمو المستقبلي، عبر توسيع القاعدة الاقتصادية وخلق الثروة.
غير أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل النص القانوني إلى أثر ملموس على أرض الواقع. فالتجارب السابقة أظهرت أن الإعفاءات وحدها لا تكفي إذا لم تترافق مع مناخ إداري مستقر، ونفاذ عادل إلى التمويل، ومرافقة تقنية حقيقية.
كما يلاحظ أن استثناء القطاعات التجارية والعقارية يعكس قناعة رسمية بأن هذه الأنشطة بلغت درجة من النضج لا تتطلب نفس مستوى الدعم، مقابل الحاجة الملحّة إلى دفع الصناعة والخدمات ذات البعد التكنولوجي.
ويؤكد فريق تحرير تونس 33 أن نجاح هذا التمشي سيقاس بعدد المشاريع التي تدخل فعليًا طور الإنتاج، وبقدرتها على الصمود بعد انتهاء فترة الإعفاء، وهو ما يستوجب تقييمًا دوريًا وشفافًا للمنظومة الجبائية التحفيزية.
المصدر: فريق تحرير موقع تونس 33، المرجع: توضيحات نائب رئيس مجمع المحاسبين بالبلاد التونسية

















