عاجل : أسرار خطيرة وراء عملية الهروب من سجن المرناقية تكشفها التحقيقات..

لم تكن فجرية 31 أكتوبر 2023 يوماً عاديًّا في تونس. فقد استيقظ التونسيون على خبرٍ هزّ البلاد من أقصاها إلى أقصاها: خمسة سجناء مصنّفين كإرهابيين يفرّون من السجن المدني بالمرناقية، أحد أكثر السجون تحصينًا وتشديدًا في البلاد. حادثة بدت في بدايتها أقرب إلى مشهد من فيلم هوليوودي منها إلى واقع تونسي، لكنها تحوّلت سريعًا إلى قضية رأي عام كشفت عن خيوط معقدة من الفساد والتواطؤ داخل منظومة السجون.
بداية الصدمة: كيف حدث ما لا يُصدَّق؟
في الساعات الأولى من ذلك الصباح، انتشرت الأخبار كالنار في الهشيم. قيل إن الفارين تمكنوا من قطع شباك حديدي صغير للهرب، لكنّ شهودًا وخبراء أكدوا أنّ تلك الفتحة لا يمكن أن تمرّ منها حتى قطة، فما بالك بخمسة رجال بالغين! ومن هنا بدأت الشكوك تتجه نحو فرضية المساعدة من الداخل.
وزيرة العدل ليلى جفال أعلنت حينها حالة استنفار قصوى داخل السجن، وأمرت بفتح تحقيق عاجل، مع إعفاء مدير السجن وعدد من الإطارات إلى حين كشف الحقيقة. في المقابل، انطلقت الأجهزة الأمنية في عمليات تمشيط واسعة النطاق شاركت فيها مختلف الأسلاك الأمنية والعسكرية. وخلال أيام قليلة، تم القبض على أغلب الفارين، بعضهم في محاولات تسلل نحو الحدود الغربية بين القصرين وجندوبة.
ما وراء القضبان: تواطؤ ممنهج وفساد مستتر
لكن المفاجأة الكبرى لم تكن في سرعة القبض على الفارين، بل في ما كشفته التحقيقات لاحقًا. إذ تبين أنّ عملية الهروب لم تكن مغامرة فردية، بل خطة مدروسة بتنسيق داخلي، تورط فيها أعوان وإطارات من داخل السجن نفسه.
تحقيقات القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والفرقة المركزية بالعوينة شملت أكثر من أربعين شخصًا بين موقوفين ومتهمين بحالة سراح، بينهم مدير السجن السابق وعدد من الإطارات العليا. كما صدرت بطاقة إيداع بالسجن ضد زوجة أحد الفارين، بعد ثبوت تواصلها معه قبل الهروب بأيام، ما كشف عن شبكة اتصال تمتد من داخل الأسوار إلى خارجها.
تداعيات سياسية ومؤسساتية
الواقعة تحوّلت إلى ما وُصف بـ**“فضيحة دولة”**، لأنها مست إحدى أكثر المؤسسات حساسية وأمناً في البلاد. وسائل الإعلام المحلية والعربية تساءلت بصوت واحد: إذا كان الهروب ممكنًا في المرناقية، فهل من أمان في باقي السجون؟
الردّ الحكومي جاء سريعًا وحازمًا. وزارة العدل أعلنت عن إعفاءات فورية، فيما أقدمت وزارة الداخلية على إنهاء مهام المدير العام للمصالح المختصة والمدير المركزي للاستعلامات العامة. تمّ كذلك فتح بحث إداري معمّق لكشف المسؤوليات، وسط وعود بمحاسبة كل من تورط أو قصّر.
الدرس القاسي: عندما تتهاوى الثقة
حادثة المرناقية لم تكن مجرد عملية هروب من السجن، بل زلزال مؤسساتي كشف هشاشة المنظومة السجنية، وتسلل الفساد حتى داخل أكثر الأجهزة حصانة. التحقيقات أثبتت أنّ بعض الأعوان تلقّوا مبالغ مالية مقابل تسهيل الهروب، وأن أطرافًا خارجية قد تكون وعدت بتأمين حماية للفارين لاحقًا.
ورغم خطورة ما حدث، فإنّ سرعة تحرّك الأجهزة الأمنية والقبض على الفارين أعادت قدرًا من الثقة في قدرة الدولة على السيطرة على الموقف ومنع تحول الحادثة إلى كارثة أمنية.
نحو المحاكمة: لحظة الحقيقة
القضية اليوم أمام القضاء، حيث حُدّدت جلسة يوم 14 نوفمبر المقبل أمام الدائرة الجنائية المتخصصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس. الجلسة المنتظرة ستكون اختبارًا حقيقيًا لشفافية العدالة، وفرصة لكشف جميع الخيوط: من سهّل؟ من أمر؟ ومن استفاد؟
قد لا تكشف المحاكمة كل الأسرار، لكنّ ما لا شك فيه أنّ هذه القضية أصبحت رمزًا لصراع تونس مع الفساد والاختراق الداخلي، ورسالة بأنّ العدالة ستطال الجميع، مهما كانت مواقعهم.
📌 فريق تحرير موقع تونس 33
📍 المصدر: وزارة العدل + مصادر أمنية مطّلعة